الميتافيرس والإعلام.. كيف يمكن للعالم الافتراضي تغيير المشهد الإعلامي؟

حققت تقنية الميتافيرس – Metaverse أو ما يُعرف باسم العوالم الافتراضية، على مدار السنوات القليلة الماضية، شعبية كبيرة للغاية. ولم تأت هذه الشعبية من فراغ، بل نبعت من تعدد استخدامات الميتافيرس ودخوله في العديد من المجالات والقطاعات الحيوية.

فلم تعد استخدامات هذه التقنية الثورية مقتصرة على الألعاب والترفيه فقط، بل امتدت لتشمل العديد من المجالات الأخرى، ومن بينها المجال الإعلامي. فقد نجح الميتافيرس، خلال الفترة الماضية، في إحداث ثورة جذرية بالطريقة التي تعمل بها العديد من المؤسسات الإعلامية حول العالم، وكذلك أيضًا بالمحتوى الذي تقدمه هذه المؤسسات لجمهورها.

وفي ضوء ذلك، سوف نحاول من خلال هذا المقال شرح العلاقة بين الميتافيرس والإعلام، وكيف يمكن للواقع الافتراضي بشكل عام التأثير على المشهد الإعلامي. ولكن قبل أي شيء، دعنا أولًا نلقي نظرة سريعة على مفهوم الميتافيرس بشكل عام، كمدخل هام لفهم الموضوع الذي يدور حوله مقالنا اليوم.

ما هو الميتافيرس – Metaverse؟

الميتافيرس باختصار شديد هو عبارة هو شبكة من العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد، التي تقوم على فكرة التواصل الاجتماعي بين المستخدمين، عن طريق الدمج بين مجموعة من التقنيات المختلفة، مثل الواقع الافتراضي – Virtual Reality، والواقع المعزز – Augmented Reality، والفيديو.

ويتم في الوقت الحالي الترويج لهذه العوالم الافتراضية على نطاق واسع للغاية، باعتبارها جزءًا أساسيًا من الجيل الثالث للإنترنت – Web 3. ومن هنا، بات يُنظر إلى الميتافيرس باعتباره فرصة تجارية ومالية هامة لصناعة التكنولوجيا والقطاعات الأخرى، وهو ما دفع الكثير من الشركات التكنولوجية الكبرى حول العالم إلى الاستثمار في هذا المجال، مثل شركة ميتا – Meta، ومايكروسوفت – Microsoft، وتينسنت – Tencent، وغيرها.

وفي ضوء الرؤية التي صاغتها هذه الشركات التكنولوجية للميتافيرس، سوف تسمح الأجهزة المختلفة مثل سماعات الواقع الافتراضي والنظارات الرقمية والهواتف الذكية وغيرها للمستخدمين بالوصول إلى بيئات الواقع الافتراضي أو المعزز ثلاثي الأبعاد، حيث يمكنهم الاستمتاع بالتجارب الافتراضية الغامرة والاستفادة منها.

وبالتالي، يمكننا القول بأن الميتافيرس هو عبارة عن مجموعة من العوالم الافتراضية، التي يمكننا عن طريقها القيام بكافة الأنشطة التي نمارسها في حياتنا اليومية، مثل العمل والتعلم والتنزه والتسوق وغيرها، ولكن بشكل افتراضي.

ما هي العلاقة بين الميتافيرس والإعلام؟

هناك علاقة وثيقة للغاية بين الميتافيرس والإعلام، نشأت من المزايا العديدة والفرص الرائعة التي تتمتع بها تقنية الواقع الافتراضي – VR بشكل عام. فقد أصبحت غالبية وسائل الإعلام على دراية كاملة بتقنية الميتافيرس، وبدأت تستفيد من المزايا والفرص التي تتمتع بها؛ لتطوير المحتوى الذي تقدمه.

فعلى سبيل المثال، أطلقت صحيفة El Economista بالفعل مكتبًا للمراسلين في الميتافيرس؛ لتقديم التقارير من هذا الفضاء الافتراضي، وتسهيل الوصول إلى المناطق الجديدة. كما أعلنت الكيانات الإعلامية الكبرى مثل رويترز – Reuters وبي بي سي – BBC وغيرها، اعتزامها التوجه نحو هذا العالم الافتراضي.

وبشكل عام، يتمتع الميتافيرس بالقدرة على إنتاج فئة جديدة تمامًا من الوسائط المتكاملة. فعلى سبيل المثال، يمكن للمستخدم بأي عالم افتراضي قراءة إحدى الصحف، ومشاركتها على الفور مع الآخرين، والحصول على وصول فريد قابل للتطبيق إلى القصص الصحفية، دون مغادرة منزله.

تأثير الميتافيرس على المجال الإعلامي

يمكن للميتافيرس التأثير على المجال الإعلامي من خلال شقين رئيسيين، وهما كالتالي:

الميتافيرس والاستوديوهات الافتراضية

الاستوديو الافتراضي هو عبارة عن محاكاة للاستوديو الحقيقي ولكن في عالم موازي، تتوفر به إمكانيات أكثر تميزًا من الاستوديو الحقيقي. ويمكن من خلال أي استوديو افتراضي استضافة العديد من الأشخاص من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، دون التقيد بالمساحة وغيرها من المسائل الفنية والتقنية الأخرى.

ومن خلال هذه الاستوديوهات الافتراضية لن يحتاج العاملون الذهاب إلى مقر عملهم، حيث يمكنهم العمل من منازلهم. وتوفر هذه الاستوديوهات العديد من المزايا للمؤسسات الإعلامية والمشاهدين، على حد سواء.

فمن ناحية، تساعد هذه الاستوديوهات المؤسسات الإعلامية على توفير الكثير من النفقات التي كان يتم توجيهها لدفع فواتير التنقل والكهرباء وغيرها من الخدمات الأخرى من ناحية، كما توفر أيضًا للمشاهدين تجارب غامرة وأكثر متعة وإثارة من ناحية أخرى.

الميتافيرس والصحافة الرقمية

بالتزامن مع تطور الإنترنت والتوسع في الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي والحصول على الأخبار منها، بدأت المؤسسات الصحفية تطور نفسها لمواكبة كل هذه التطورات والاستفادة منها.

ومن هنا ظهر مفهوم الصحافة الرقمية، حيث لجأت غالبية المؤسسات الصحفية حول العالم إلى إنشاء مواقع إلكترونية وكذلك أيضًا صفحات خاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ للوصول إلى الجمهور. ومن المرجح أن يؤدي الميتافيرس أو ما يصفه البعض بمستقبل الإنترنت إلى المزيد من التطورات في المشهد الصحفي.

فقد بدأت المؤسسات الصحفية بالفعل في استثمار موارد كبيرة في الميتافيرس، وكذلك أيضًا مكوناته المحتملة من الذكاء الاصطناعي – AI والواقع الافتراضي – VR والواقع المعزز – AR وغيرها. ومن المتوقع أن يساهم ذلك في تغيير محتوى الأخبار وشكلها، وكذلك أيضًا طبيعة العمل الصحفي.

رؤية مستقبلية للمشهد الإعلامي في ظل الميتافيرس

كما سبق وأن ذكرنا في مقالنا، بدأت غالبية المؤسسات الإعلامية والصحفية حول العالم تدرك أهمية تقنية الميتافيرس، وضرورة الاستفادة منها؛ وذلك لتقديم تجارب أكثر تميزًا للجمهور. ومن هنا قررت هذه المؤسسات توجيه موارد ضخمة واستثمار مبالغ طائلة لبدء الاعتماد على الميتافيرس بشكل واسع.

وفي ضوء ذلك، يتوقع الخبراء أن ينعكس كل هذا على المشهد الإعلامي بشكل عام، سواء كان من الناحية الفنية والإدارية أو من ناحية المحتوى الذي يتم تقديمه للجمهور. فمن الناحية الفنية والإدارية، سوف تطرأ العديد من التغيرات على المشهد الإعلامي، من خلال بدء الاعتماد على الاستوديوهات الافتراضية.

أما من ناحية المحتوى الذي يتم تقديمه للجمهور، فسوف يطرأ عليه العديد من التغيرات الإيجابية، من خلال التجارب الغامرة التي يتم تقديمها، والتي ستجعل هذا المحتوى أكثر إثارة وتشويقًا.

الخلاصة

تتمتع الكثير من المؤسسات الإعلامية حول العالم بخبرة كبيرة في تقديم محتوى رائع، ومع الميتافيرس سوف تحصل هذه المؤسسات على فرصة جديدة رائعة للارتقاء بهذا المحتوى إلى مستوى آخر تمامًا.

الفرص التي يقدمها الميتافيرس كثيرة، ويجب على أي مؤسسة إعلامية أن تبدأ في استكشاف هذا التحول، بما في ذلك معرفة كيفية تضمين الرموز غير القابلة للاستبدال – NFTs في تجاربها، واحتضان الوسائط الاصطناعية لتطوير محتوى فريد، واستخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتقديم تجارب غامرة.