الميتافيرس والاستخدامات الحكومية.. كيف يمكن للحكومات الاستفادة من العالم الافتراضي؟

شهدت السنوات القليلة الماضية، بدء الاعتماد على الميتافيرس – Metaverse أو ما يُعرف باسم العوالم الافتراضية في الكثير من المجالات والقطاعات. فلم تعد استخدامات الميتافيرس مقتصرة على الألعاب والترفيه فقط، بل امتدت لتشمل العديد من القطاعات الأخرى، ومن بينها القطاع الحكومي.

فقد استطاع الميتافيرس، خلال الفترة الماضية، إحداث ثورة في الطريقة التي تعمل بها العديد من الحكومات حول العالم. وسوف نقوم من خلال مقالنا اليوم بتوضيح العلاقة بين الميتافيرس والاستخدامات الحكومية، وكيف يمكن للقطاع الحكومي الاستفادة من العوالم الافتراضية.

ولكن في البداية دعونا نلقي نظرة سريعة على مفهوم الميتافيرس بشكل عام؛ وذلك لفهم الموضوع الأصلي الذي يدور حوله هذا المقال.

ما هو الميتافيرس – Metaverse؟

الميتافيرس هو شبكة من العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد، التي تقوم على فكرة التواصل الاجتماعي بين المستخدمين، من خلال الدمج بين عدد من التقنيات المختلفة، مثل الواقع الافتراضي – Virtual Reality، والواقع المعزز – Augmented Reality، والفيديو. ويتم حاليًا الترويج لهذه العوالم الافتراضية على نطاق واسع للغاية، باعتبارها جزءًا أساسيًا من الجيل الثالث للإنترنت – Web 3.

ومن هنا، أصبح يُنظر إلى الميتافيرس باعتباره فرصة تجارية ومالية هامة لصناعة التكنولوجيا والقطاعات الأخرى، وهو ما دفع العديد من الشركات التكنولوجية الكبرى حول العالم إلى الاستثمار في هذا المجال، مثل شركة ميتا – Meta، ومايكروسوفت – Microsoft، وتينسنت – Tencent، وغيرها.

وفي ضوء الرؤية التي صاغتها الشركات التكنولوجية للميتافيرس، سوف تتيح الأجهزة المختلفة مثل سماعات الواقع الافتراضي والنظارات الرقمية والهواتف الذكية وغيرها للمستخدمين بالوصول إلى بيئات الواقع الافتراضي أو المعزز ثلاثي الأبعاد، حيث يمكنهم الاستمتاع بالتجارب الافتراضية الغامرة والاستفادة منها.

باختصار شديد يمكننا القول بأن الميتافيرس هو عبارة عن مجموعة من العوالم الافتراضية، التي يمكننا من خلالها القيام بكافة الأنشطة التي نمارسها في حياتنا اليومية، مثل العمل والتعلم والتنزه والتسوق وغيرها، ولكن بشكل افتراضي.

الميتافيرس والاستخدامات الحكومية

نرصد فيما يلي أبرز الاستخدامات الحكومية في الواقع الافتراضي:

إنشاء مكاتب حكومية افتراضية

تتضمن منصات الميتافيرس الغامرة مثل Decentraland وRoblox وغيرها بالفعل متاجر ومقاهي ومعارض وساحات للحفلات الموسيقية وغيرها، فلماذا لا يكون لدينا مكاتب حكومية في هذه المنصات؟!

بدأت بالفعل العديد من الحكومات حول العالم في افتتاح مكاتب خاصة بها بالعديد من المنصات الافتراضية. فعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات العربية المتحدة، في شهر أكتوبر 2022، عن افتتاح مقر جديد لها بالميتافيرس.

ووفقًا لما صرح به وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، وقتها سوف يتم من خلال هذا المقر الجديد للوزارة إبرام اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى داخل العالم الافتراضي، مما يساهم في تعزيز قدرة الدولة على أن تصبح مركزًا عالميًا للتقنيات الحديثة.

كما أعلنت أيضًا جزر بربادوس، في شهر نوفمبر 2021، عن افتتاح سفارة لها بمنصة Decentraland ، لتكون أول دولة ذات سيادة عقارية رقمية في العالم الافتراضي.

التعليم

أصبح التعليم مؤخرًا من أبرز الأمثلة على الاستخدامات الحكومية في الواقع الافتراضي. فقد لجأت غالبية الحكومات حول العالم، بالتحديد خلال جائحة كوفيد – 19 التي أسفرت عن إغلاق المدارس، إلى الحلول الافتراضية؛ لتوفير تجارب تعليمية للطلاب يمكنهم من خلالها مواصلة رحلتهم التعليمية.

ويعتمد التعليم في الميتافيرس بشكل أساسي على استخدام الصور الرمزية – Avatars؛ لتمثيل المستخدمين سواء كانوا طلاب أو معلمين أو إداريين. ويتم عن طريق هذه الصور الرمزية التفاعل داخل مساحات التعلم الافتراضية، والتي تمثل الفصول الدراسية.

وبشكل عام، يساعد الميتافيرس الحكومات على خلق تجارب تعليمية غامرة، يمكن للطلاب من خلالها المشاركة في أنشطة ممتعة، مما يجعل التعلم أكثر متعة وجاذبية.

خلق توائم رقمية للمدن والأنظمة العامة

تُستخدم تقنية التوائم الرقمية بشكل عام؛ لنمذجة أي شيء، وخاصة الأنظمة والعمليات في عالم التصنيع. وفي سياق الحكومة، يمكن استخدام نفس التقنية لإنشاء نماذج افتراضية لأنظمة النقل العام، واستخدامات الطاقة، وإدارة النفايات، والأمن، وغيرها.

بعبارة أخرى، يمكن أن تكون التوأمة الرقمية أداة قيمة لتخطيط المدن، مما يسمح للمسؤولين برسم خريطة افتراضية دقيقة لخدمات المدينة، استنادًا إلى البيانات المُجمعة في العالم الحقيقي، مما يساعد في تطوير الخدمات العامة.

ويرتبط ذلك ارتباطًا جوهريًا بمفهوم المدن الذكية، التي تستفيد من البيانات والتقنيات المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي – AI، وإنترنت الأشياء – IoT، وغيرها؛ لزيادة الكفاءة وتحسين حياة السكان.

ويمكن للتوائم الرقمية أن تلعب دورًا حيويًا في التحول الرقمي لأي مدينة؛ لأنها تسمح للمسؤولين بتحليل ما يحدث في المدينة في الوقت الفعلي، وتجربة حلول مختلفة في النسخة الافتراضية، قبل إجراء أي تغييرات في العالم المادي.

كما يمكن استخدام التوائم الرقمية أيضًا لإنشاء نسخة افتراضية طبق الأصل من أي مدينة بالعالم؛ لأغراض الترفيه والسياحة، بحيث يمكن لأي شخص بأي مكان زيارة هذه المدينة والاستمتاع بمعالمها، بمساعدة أجهزة الواقع الافتراضي.

فعلى سبيل المثال، أعلن مسؤولو دبي في عام 2022، عن خطط لإنشاء مدينة رقمية افتراضية تحاكي دبي، بحيث يمكن للمقيمين والزوار استكشاف كنوز المدينة العديدة.

التدريب العسكري

بما أن الدفاع يشكل جزءًا كبيرًا من ميزانيات معظم الحكومات، فلا يمكننا التغاضي عن الاستخدامات العسكرية المحتملة لتقنية الميتافيرس. في الغالب، يتمحور ذلك حول استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز؛ لتدريب العسكريين على المهام القتالية والدفاعية المختلفة.

فعلى سبيل المثال، اختبرت البحرية الأمريكية منصة الواقع المعزز TRACER في مركز قوات الأمن بولاية كارولينا الشمالية. وتم تصميم هذه المنصة باستخدام معدات الألعاب الجاهزة وأسلحة المحاكاة؛ وذلك لتدريب العسكريين على سيناريوهات مختلفة. وفي عام 2020، أعلن الجيش الأمريكي عن شراء 40 ألف زوج من نظارات الواقع المختلط، وهو ما يكفي لتجهيز 10% من الجنود.

عوامل يجب على الحكومات مراعاتها قبل التوجه نحو الميتافيرس

هناك العديد من العوامل التي يجب على أي حكومة مراعاتها قبل بدء استخدام الميتافيرس، يتمثل أبرزها في التالي:

• اللوائح ودورها في تحقيق التوازن بين المنافسة والابتكار والخصوصية والأمن.
• الهوية الرقمية وعملية إصدار وتوثيق الهويات الحكومية في الميتافيرس؛ للحد من الاحتيال.
•  التغييرات في آليات وقنوات تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين.
• تكييف العمليات الحكومية عبر مختلف الإدارات والمستويات.
• التعاون مع الجهات الفاعلة في مجال التكنولوجيا؛ لتحسين مهارات الموظفين والبقاء على اطلاع دائم بآخر التطورات.
• نشر المعرفة بتقنية الميتافيرس، وتمكين المواطنين من التعامل معها.
• دراسة تأثير الميتافيرس على الوظائف الحكومية، ومعالجة التغيرات المحتملة.

الخلاصة

على الرغم من أن تقنية الميتافيرس مازالت في مهدها، إلا أنها قد نجحت خلال فترة قصيرة في الدخول بالعديد من الاستخدامات بالقطاع الحكومي. ومع التطورات المستمرة التي تشهدها هذه التقنية، من المتوقع جدًا أن نرى المزيد من حالات الاستخدام الحكومية الأخرى لها في المستقبل.