حكم البلوك تشين في الإسلام.. ما هو رأي الفقه في العقود الذكية؟

“ما هو حكم البلوك تشين في الإسلام؟”.. سؤال تم طرحه كثيرًا، خلال الفترة الماضية، من قبل المهتمين بهذه التقنية. فمع الانتشار الواسع الذي حققته تقنية البلوك تشين – Blockchain، ودخولها في العديد من الاستخدامات، بدأ الكثيرون يبحثون عن موقف الشريعة الإسلامية من هذه التقنية.

ولم تقف التساؤلات عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل أيضًا موقف الفقه من العقود الذكية – Smart Contracts، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتقنية البلوك تشين. وفي ضوء ذلك، سوف نحاول من خلال هذا المقال، الإجابة على كافة التساؤلات المتعلقة بحكم البلوك تشين في الإسلام، وما إذا كانت هذه التقنية حلال أم حرام؛ وكذلك أيضًا موقف الفقه من العقود الذكية.

ولكن قبل ذلك، دعنا نلقي نظرة سريعة على مفهوم البلوك تشين بشكل عام، وعلاقته بالعقود الذكية؛ وذلك كمدخل هام وضروري للإجابة على التساؤلات التي يطرحها هذا المقال.

ما هو البلوك تشين – Blockchain؟

البلوك تشين هو عبارة عن نوع من قواعد البيانات العملاقة، التي يتم عن طريقها تسجيل المعاملات المختلفة، المتعلقة بالعملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال – NFT والمعلومات الطبية والمعاملات العقارية وغيرها.

وتختلف قاعدة البيانات الخاصة بالبلوك تشين عن قواعد البيانات التقليدية في الطريقة التي يتم من خلالها تنظيم البيانات أو المعلومات التي تحتوي عليها. فمن خلال هذه التقنية، يتم جمع البيانات في مجموعات تُعرف باسم الكتل، ويكون لكل كتلة سعة تخزينية معينة، بمجرد امتلائها، يتم ربطها بالكتلة المملوءة مسبقًا؛ لتشكل بذلك سلسلة من البيانات، ومن هنا جاء اسم البلوك تشين أو سلسلة الكتل.

وتتم عملية التحقق من المعاملات التي يتم تسجيلها على هذه الكتل، من جانب مستخدمين آخرين في نفس النظام، وبمجرد التحقق منها لا يمكن تعديلها أو تغييرها بأي شكل من الأشكال، حيث يتم إضافتها إلى سلسلة الكتل الدائمة الأخرى التي تم التحقق منها مسبقًا.

باختصار شديد، يعتبر البلوك تشين أو ما يُطلق عليه اسم سلسلة الكتل بمثابة تقنية ثورية، يمكن من خلالها تسجيل أو توثيق أي نوع من المعاملات في العالم كله، بسجل واحد موجود على الإنترنت. وتقوم هذه التقنية على مبدأ اللامركزية، حيث لا تتطلب وجود أي وسيط أو طرف ثالث لتسجيل المعاملات.

وكما سبق وأن ذكرنا، شهدت السنوات القليلة الماضية انتشارًا واسعًا لهذه التقنية الثورية، حيث لم تعد استخداماتها قاصرة على العملات الرقمية، بل أصبح لها العديد من الاستخدامات الأخرى، والتي يتمثل أبرزها في التالي:

• تحويل الأموال.
• تسجيل ملكية العقارات.
• ترميز الـNFT.
• ترميز عناصر ومقتنيات الميتافيرس – Metaverse.
• تأمين البيانات والمعلومات الشخصية.
• مشاركة المعلومات الطبية بأمان.
• التصويت في الانتخابات.
• خدمات الرعاية الحكومية.

ما هي العلاقة بين البلوك تشين والعقود الذكية؟

هناك علاقة وثيقة بين البلوك تشين والعقود الذكية، ولفهم هذه العلاقة دعنا أولًا نلقي نظرة سريعة على مفهوم هذه العقود. كما سبق وأن أشرنا في مقالات عديدة سابقة، تعد العقود الذكية بمثابة عقود رقمية، يتم استخدامها لتبادل الأصول المختلفة بين طرفي البيع والشراء، دون الحاجة إلى الاستعانة بأي وسيط أو سلطة مركزية أو نظام قانوني.

وبمجرد استيفاء شروط العقد الذكي يتم تنفيذه ذاتيًا، وهو ما يلغي الحاجة إلى التدخل اليدوي. وتعتمد هذه العقود بشكل أساسي على تقنية البلوك تشين، حيث يتم تخزينها في شكل سطور من التعليمات البرمجية عبر هذه التقنية.

بمعنى آخر، يتم تخزين هذه العقود في شكل كتل مرتبطًا ببعضها البعض في شبكة البلوك تشين، ويكون لدى كل المستخدمين على النظام نسخة من هذه العقود المخزنة. ونظرًا لاعتماد هذه العقود على البلوك تشين، فإنها تتمتع بدرجة عالية من الأمان والكفاءة والثبات.

حكم البلوك تشين في الإسلام

بعد شرح تقنية البلوك تشين وأبرز استخداماتها، دعونا نعود مرة أخرى إلى السؤال الرئيسي الخاص بمقالنا، وهو: هل تقنية البلوك تشين حرام أم حلال؟ الحقيقة أنه لا يوجد حتى هذه اللحظة إجابة قاطعة على هذا السؤال، حيث لم تقم أي مؤسسة دينية في أي دولة إسلامية بتوضيح موقفها من هذه التقنية.

فنظرًا لأن تقنية البلوك تشين مازالت تعتبر تقنية صاعدة، وخاصة في منطقتنا العربية، فلم يتم حتى الآن بلورة موقف إسلامي موحد بشأنها. ومع ذلك، قامت عدد من المؤسسات الدينية بإعلان مواقف فردية تجاه بعض استخدامات البلوك تشين، مثل العملات المشفرة.

فعلى سبيل المثال، أصدرت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية فتوى في عام 2021، أجازت فيها المتاجرة بالعملات الرقمية الافتراضية، التي تعتمد على البلوك تشين. وفي نفس العام، أعلنت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، أن العملات الرقمية محرمة، حيث شبهتها بالمقامرة.

أما بالنسبة لدار الإفتاء المصرية، فقد حرّمت استخدام العملات الرقمية بالمعاملات المالية في البداية، ولكنها عادت مرة أخرى لتؤكد بأن هذه العملات ليست حرام على الإطلاق، مشيرة إلى أن الفتوى تتغير بتغير المعطيات والزمان والمكان. وبالتالي يمكننا القول بأن هناك حالة انقسام في الدول العربية، حول موقف الشريعة الإسلامية من العملات الرقمية.

ولكن لا يمكننا القول بأن هذه المواقف تنطبق بالضرورة على البلوك تشين؛ لأنه كما سبق وأن ذكرنا، هناك العديد من الاستخدامات الأخرى -غير العملات الرقمية- لهذه التقنية في الكثير من المجالات والقطاعات، مثل الرعاية الصحية والخدمات الحكومية والمعاملات العقارية وغيرها.

وبدأت بالفعل العديد من الدول العربية، التي تتخذ من الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسيًا للتشريع، في الاعتماد على البلوك تشين في عدد كبير من القطاعات؛ وذلك نظرًا للمزايا العديدة التي تقدمها هذه التقنية مثل الأمان والكفاءة والسرعة وغيرها.

وبالتالي، لو كان هناك أي رأي إسلامي رسمي معارض لهذه التقنية، لما قامت هذه الدول باستخدامها على هذا النطاق الواسع.

العقود الذكية في الفقه الإسلامي

كما هو الحال بالنسبة للبلوك تشين، لم يتم حتى الآن صياغة موقف رسمي إسلامي تجاه العقود الذكية.

وبما أن العقود الذكية لا تختلف كثيرًا عن العقود التقليدية، من حيث وظائفها واستخداماتها، فيرى الكثيرون أنها جائزة شرعًا، طالما أنها تستوفي الشروط اللازمة لإتمام العقد من الناحية الدينية، مثل توضيح المقاصد، ورضا الطرفين، وغيرها.

وفي هذا الإطار، بدأت العديد من المؤسسات العربية بما فيها بعض الحكومات في الاعتماد على هذه العقود الذكية على نطاق واسع، دون إبداء أي اعتراضات دينية من قبل أي مؤسسة إسلامية.

الخلاصة

في الختام، يمكننا القول بأنه حتى هذه اللحظة لا يوجد موقف رسمي موحد يحسم موقف الشريعة الإسلامية من تقنية البلوك تشين.

فعلى الرغم من بدء استخدام هذه التقنية على نطاق واسع في عدد كبير من الدول العربية، إلا أنه لم تقم أي مؤسسة دينية بتوضيح موقفها منها، وهو ما فسره البعض بأنه موافقة ضمنية على استخدامها.

ولكن في ضوء المزايا العديدة التي تقدمها هذه التقنية من ناحية، والحلول الجذرية التي تقدمها للكثير من المشكلات من ناحية أخرى، من المتوقع جدًا أن نشهد قريبًا فتاوى رسمية تجيز استخدام هذه التقنية، وهو ما سنراه معًا.