تعرف على أبرز مشاريع الميتافيرس في الشرق الأوسط

شهدت السنوات القليلة الماضية، توجهًا ملحوظًا من قبل غالبية دول العالم، نحو الميتافيرس – Metaverse أو ما يُعرف باسم العوالم الافتراضية. ولم تكن منطقة الشرق الأوسط في معزل عن هذا التحول، بل على العكس فقد كانت في قلب الحدث.

حيث أدركت غالبية الدول العربية في وقت مبكر للغاية، ضرورة مواكبة التطورات التقنية التي يشهدها العالم، والتوجه نحو هذه العوالم الافتراضية الجديدة، والاستفادة من المزايا الهائلة والفرص الرائعة التي تقدمها.

ومن هنا شهدت منطقتنا العربية الإعلان عن العديد من مشاريع الميتافيرس، من قبل الحكومات والشركات وكذلك أيضًا الأفراد. وسوف نحاول من خلال مقالنا اليوم، استعراض أبرز مشاريع الميتافيرس في الشرق الأوسط. ولكن قبل أي شيء، دعنا نلقي نظرة سريعة على مفهوم الميتافيرس بشكل عام.

ما هو الميتافيرس – Metaverse؟

الميتافيرس – Metaverse هو باختصار شديدة عبارة عن شبكة من العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد، التي تركز على الاتصال الاجتماعي بين المستخدمين، وذلك عن طريق المزج  بين مجموعة من التقنيات المختلفة مثل الواقع الافتراضي – Virtual Reality، والواقع المعزز – Augmented Reality، والفيديو.

ويتم في وقاتنا الحالي الترويج لهذه العوالم الافتراضية على نطاق واسع للغاية، باعتبارها الجيل التالي للإنترنت، حيث يُنظر إليها حاليًا على أنها فرصة تجارية ومالية هامة لصناعة التكنولوجيا وغيرها من القطاعات الأخرى.

وفي ضوء ذلك، حرصت الكثير من الشركات التكنولوجية الكبرى حول العالم على اقتحام هذا المجال وضخ استثمارات هائلة به، مثل شركة ميتا – Meta، ومايكروسوفت – Microsoft، وتينسنت – Tencent، وغيرها من الشركات الأخرى.

ومن خلال الرؤية التي صاغتها هذه الشركات للميتافيرس، ستسمح الأجهزة المختلفة كسماعات الواقع الافتراضي والنظارات الرقمية والهواتف الذكية وغيرها للمستخدمين بالوصول إلى بيئات الواقع الافتراضي أو المعزز ثلاثي الأبعاد، حيث يمكنهم العمل، والتعلم، والتنزه، والتواصل مع الأصدقاء، وزيارة المواقع البعيدة، وغيرها من الأنشطة الأخرى.

بمعنى آخر، يمكن القول بأن الميتافيرس هو عبارة عن مجموعة من العوالم الافتراضية، التي يمكننا عن طريقها القيام بجميع الأنشطة التي نمارسها في حياتنا اليومية، مثل العمل والتعلم والتنزه والتسوق وغيرها، ولكن بشكل افتراضي.

توجه منطقة الشرق الأوسط نحو الميتافيرس

كما سبق وأن ذكرنا، حرصت الدول العربية في وقت مبكر للغاية على التوجه نحو الميتافيرس، وضخ استثمارات هائلة بهذا القطاع. فعلى سبيل المثال، أعلن ولي عهد دبي، الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، في شهر يوليو من عام 2022، عن إطلاق استراتيجية دبي للميتافيرس؛ وذلك تنفيذًا لتوجيهات مجلس الوزراء الإماراتي.

وبشكل عام، تهدف هذه الاستراتيجية إلى ترسيخ مكان دبي لتكون ضمن أفضل عشر مدن في الاقتصادات الرائدة بقطاع الميتافيرس، وتوفير 40 ألف فرصة عمل افتراضية تساهم في ازدهار دبي اقتصاديًا بحلول عام 2030.

وحسبما تم الإعلان عنه، سوف يتم توجيه 4 مليارات دولارات أمريكي، أي ما يعادل نحو 14.7 مليار درهم إماراتي في قطاع الميتافيرس، خلال الخمسة أعوام المقبلة.

أما في المملكة العربية السعودية، فقد أعلن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عبد الله السواحة، في شهر فبراير من عام 2022، عن توجيه استثمارات بقيمة 6.4 مليار دولار أمريكي في تقنيات الميتافيرس، ومن بينها تقنية الميتافيرس؛ وذلك في إطار حرص الحكومة على تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.

وشملت هذه الاستثمارات توجيه مليار دولار تقريبًا من جانب شركة نيوم التقنية الرقمية التابعة لمشروع نيوم، الذي يتبناه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان؛ وذلك لدعم استخدامات الميتافيرس وتطبيقات الذكاء الاصطناعي – AI.

وفي ضوء ذلك، قامت شركة نيوم التقنية بتغيير اسمها إلى تونومس – Tonomus؛ لتكون متواجدة في العالم الافتراضي. ومن جانبها، أعلنت شركة النفط السعودية المملوكة للدولة “أرامكو”، عن استثمار مليار دولار في صندوق رأس المال الاستثماري – Prosperity7 Ventures؛ لدعم تقنيات الجيل التالي مثل البلوك تشين – Blockchain والميتافيرس وغيرها.

أبرز مشاريع الميتافيرس في الشرق الأوسط

فيما يلي قائمة تضم أبزر مشاريع الميتافيرس التي تم إطلاقها في منطقة الشرق الأوسط:

مشروع الميتافيرس 2117 بالإمارات

أعلنت شركة بدو المتخصصة بتقنيات الويب 3 والتي تتخذ من دبي مقرًا لها، في شهر سبتمبر من عام 2022، عن إطلاق مشروع الميتافيرس 2117. ويعد هذا المشروع بمثابة محاكاة افتراضية لمشروع المريخ 2117، الذي أطلقه كل من نائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن راشد، وولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد؛ لبناء أول مستوطنة بشرية على المريخ خلال 100 عام.

ويهدف مشروع الميتافيرس هذا إلى بناء عالم افتراضي يتيح لمستخدميه تجارب أفضل في مجال استكشاف الفضاء. ويسعى القائمون على هذا المشروع إلى إتاحة عالم ميتافيرس يجذب نحو 100 مليون مستخدم، خلال العشرة أعوام المقبلة. ويُنظر حاليًا إلى مشروع 2117 باعتباره واحدًا من أفضل وأبرز مشاريع الميتافيرس في الإمارات.

منصة XVRS السعودية بالميتافيرس

في شهر فبراير من عام 2022، أعلنت شركة نيوم التقنية الرقمية، عن إطلاق منصة ميتافيرس إدراكية ثلاثية الأبعاد، قائمة على التوأمة الرقمية، تحت اسم XVRS، لتكون واحدة من أشهر مشاريع الميتافيرس في السعودية.

وتجمع هذه المنصة بين عالم نيوم المعماري الواقعي والرقمي؛ وذلك من أجل تحقيق التكامل بين العالمين الحقيقي والافتراضي. وتوفر هذه المنصة الافتراضية للمستخدمين خيارات مشاهد متعددة من مواقع كثيرة عبر الميتافيرس، يمكنهم التنقل بداخلها عن طريق استخدام الصور الرمزية – Avatars.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة نيوم التقنية الرقمية، جوزيف برادلي: “هذه المنصة سوف تكون بمثابة عالم افتراضي يتكون من أصول رقمية من الجيل التالي، يمكن للمستخدمين تداولها والتفاعل معها”.

مقر وزارة الاقتصاد الإماراتية بالميتافيرس

أعلنت وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات، في شهر أكتوبر من عام 2022، عن افتتاح مقر جديد لها بالميتافيرس.

وقال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، إنه: “سيتم من خلال هذا المقر الجديد للوزارة توقيع مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع دول أخرى في العالم الافتراضي؛ وذلك بهدف تعزيز قدرة دولة الإمارات على أن تصبح مركزًا عالميًا للتقنيات الرقمية الحديثة”.

وفي ضوء ذلك، تم الإعلان عن بدء تدريب موظفي وزارة الاقتصاد على الانغماس في الميتافيرس، واستخدام التقنيات المرتبطة به مثل البلوك تشين، والتعامل مع جيل المستقبل.

أول مدينة مصرية فرعونية في الميتافيرس

في شهر نوفمبر من عام 2022، تم الإعلان عن إطلاق المرحلة الأولى من مشروع أول مدينة مصرية فرعونية في الميتافيرس تحت عنوان ميتاتوت، بواسطة شركة توتيرا – TUTERA.

وتقوم فكرة هذا المشروع على أساس فرضية عودة الملك توت عنخ آمون إلى الحياة مرة أخرى؛ لاستكمال أمجاد الحضارة المصرية. ويمكن للمستخدمين زيارة مدينة ميتاتوت، والتجول بداخلها من خلال تقنية الواقع الافتراضي، بالإضافة إلى حضور الحفلات المؤتمرات، وزيارة المعابد، والتواصل مع مرشد سياحي لشرح حياة ملوك مصر القديمة، ومن بينهم الملك توت عنخ آمون.

وصرح رئيس مجلس إدارة شركة توتيرا، أشرف عبد المحسن، أنه: “بعد ظهور تقنية الميتافيرس، أدركنا ضرورة المبادرة بتنفيذ أول مشروع ومدينة مصرية داخل العالم الافتراضي”، مضيفًا: “مدينة ميتاتوت تعبر عن قوة وتاريخ الحضارة المصرية القديمة”.

أول مجمع تجاري افتراضي بالكويت

نجحت مجموعة من رواد الأعمال بدولة الكويت، في تدشين أول مجمع تجاري افتراضي على مستوى الشرق الأوسط، تحت عنوان My Mall. ويعتبر My Mall بمثابة مجتمع افتراضي تجاري يمكن للمستخدمين من خلاله التسوق وشراء ما يريدون من المحال والمطاعم.

كما يمكنهم أيضًا من خلال هذه التجربة الافتراضية حجز مقاعد في صالة السينما أو التوجه إلى مدينة الألعاب الإلكترونية الموجودة في المجمع التجاري؛ من أجل قضاء وقت ممتع. ويهدف هذا المشروع الكويتي إلى خلق تجربة تسوق فريدة من نوعها، وتوفير المزيد من الخدمات الترفيهية والتجارية للمستخدمين.

منصة تثقيف الحجاج عبر الميتافيرس

بالتعاون مع المكتب الاستشاري للذكاء الاصطناعي، أعلنت جامعة الملك عبد العزيز السعودية، في شهر يناير من عام 2023، عن إطلاق أول منصة افتراضية لتثقيف الحجاج.

وتهدف هذه المنصة إلى تعريف الحجاج بمناسك الحج، من خلال اصطحابهم في رحلات افتراضية إلى الأماكن المقدسة، مثل الكعبة المشرفة، وجبل الرحمة بعرفات، وجسر الجمرات بمنى، وغيرها.

وتعتمد هذه المنصة بشكل أساسي في عملها على نظام محاكاة يستخدم الواقع الافتراضي – VR؛ وذلك لتدريب الحجاج على الخطوات التي يجب اتخاذها منذ وصولهم إلى المملكة العربية السعودية؛ وذلك لتسهيل نسكهم.

مقر سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية بالميتافيرس

أعلنت إمارة دبي، في شهر مايو من عام 2022، عن دخول سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية عالم الميتافيرس، من خلال تأسيس مقر رسمي لها على منصة The Sandbox الشهيرة. وتعد سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية هي أول هيئة تنظيمية في العالم تدخل الميتافيرس.

وتعليقًا على هذه الخطوة، صرح الشيخ محمد بن محمد بن راشد: “دبي كانت ولاتزال سباقة في مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، والمساهمة في صنع مستقبل هذه التقنيات”، مشيرًا إلى أن هذا المشروع سيكون من أفضل مشاريع الميتافيرس في دبي.

وتأتي هذه الخطوة في إطار حرص السلطات على تدشين مرحلة جديدة يتم من خلالها تقديم خدمات حكومية وتنظيمية ورقابية عابرة للحدود، من خلال أدوات مستقبلية حديثة.

تجارب الميتافيرس بطيران الإمارات

في شهر سبتمبر من عام 2022، أعلنت شركة طيران الإمارات، عن إطلاق تجارب للميتافيرس على أربعة مراحل بشكل مبدئي. وتتضمن هذه المراحل أربعة قطاعات أساسية، وهي الموارد البشرية وخدمات الموظفين، والتدريب والمنتجات والممارسات، ومقصورات الطائرات، والتسويق والتجزئة.

أول مدينة ثقافية افتراضية بالسعودية

في شهر فبراير من عام 2022، أعلن الكاتب وصانع الأفلام السعودي، بدر الحمود، عن إطلاق مركز منافيرس للتطوير والابتكار في العاصمة السعودية الرياض؛ وذلك ليكون بمثابة أول مدينة ثقافية افتراضية في الميتافيرس بالعالم كله.

ووفقًا لما تم الإعلان عنه، تهدف هذه المدينة الافتراضية إلى إتاحة تداول المنتجات والخدمات الثقافية، ونشرها بشكل رقمي بحت، وخلق تجربة كاملة من التفاعل الثقافي بشكل جذاب وساحر.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا المشروع إلى إحداث طفرة نوعية بمجال النشر في المملكة، وأن يساهم بشكل إيجابي في النهضة الثقافية التي تشهدها السعودية في وقتنا الحالي.

مشروع المدينة الافتراضية Christofle Silversmithing

أطلقت مجموعة شلهوب، أكبر موزع لأفضل الماركات العالمية في منطقة الشرق الأوسط، في شهر مايو من عام 2022، مدينة افتراضية تُسمى The City of Christofle Silversmithing.

وبالتعاون مع شركة كريستوفل – Christofle الفرنسية الشهيرة بصناعة الفضة، أطلقت شلهوب أول مجموعة لها من الرموز غير القابلة للاستبدال – NFTs، تحت عنوان Genesis MOOD 925، على أن يتم بيعها داخل المدينة الافتراضية التي سبق الإشارة إليها.

مستقبل الميتافيرس في الشرق الأوسط

نجحت منطقة الشرق الأوسط، بفضل الاستراتيجيات الطموحة التي وضعتها الحكومات للتوجه نحو الميتافيرس، والاستثمارات الهائلة التي تم ضخها في هذا المجال، والمبادرات التي أطلقها الكثير من رواد الأعمال، في أن تصبح واحدة من أكثر مناطق العالم تأثيرًا في مجال الواقع الافتراضي بشكل عام.

وفي ضوء ذلك، تشير غالبية الدراسات بأن منطقة الشرق الأوسط، سوف تصبح مركزًا هامًا لمجتمع الميتافيرس، خلال السنوات القليلة المقبلة.

فعلى سبيل المثال، توقعت دراسة أعدتها مجموعة بوسطن الاستشارية العالمية تحت عنوان “خلق واقع جديد: ميتافيرس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا”، بأن يكون للميتافيرس مستقبلًا واعدًا في المنطقة، وأن يجذب المزيد من الاستثمارات الضخمة في العديد من الدول العربية.

وفي ضوء اهتمام سكان منطقة الشرق الأوسط بهذه التقنية، من المرجح أن نرى توسعًا ملحوظًا في اعتمادها، ليتم من خلالها ممارسة كافة الأنشطة اليومية مثل العمل والتعلم والتنزه والتسوق وممارسة الشعائر الدينية وغيرها.

الخلاصة

نجحت منطقة الشرق الأوسط في أن تقطع شوطًا طويلًا في مجال الميتافيرس، خلال فترة قصيرة للغاية، من خلال تنفيذ العديد من المشاريع الضخمة.

وفي ضوء ما تم ذكره في هذا المقال من اهتمام الحكومات غير المسبوق بهذه التقنية، وإقبال الشركات الكبرى على ضخ استثمارات هائلة به، من المتوقع جدًا أن تصبح منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المناطق المؤثرة في مجال الميتافيرس خلال المستقبل القريب، وهو ما سنراه معًا.